مع اتساع رقعة الاعترافات الدولية بالدولة الفلسطينية، يجد رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي المطلوب للمحكمة الجنائية الدولية بنيامين نتنياهو نفسه أمام اختبار سياسي خطير: هل يمضي في خطوات ضم الضفة الغربية كخيار انتقامي ورسالة تحدٍ للعالم، أم يتريث خشية الانزلاق نحو عزلة دولية خانقة؟
وبينما ينظر وزراء في حكومته اليمينية إلى الضم باعتباره "رداً مشروعاً" على ما يصفونه بالتحركات المعادية، يحذر خبراء من أن هذه الخطوة قد تُفجر المشهد الإقليمي وتقوّض مسار التطبيع العربي، بل وتكشف هشاشة الموقف الإسرائيلي أمام تصاعد موجة التضامن العالمي مع الفلسطينيين.
ونقلت صحيفة "تايمز أوف إسرائيل" عن مسؤول إسرائيلي قوله إن إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب حذّرت (تل أبيب) سرا من "ضم" الضفة الغربية المحتلة ردًا على قرار العديد من الدول الغربية الاعتراف بدولة فلسطينية.
وأضاف المسؤول الإسرائيلي الذي وصفته الصحيفة بالكبير دون أن تسمه، أن (تل أبيب) لا ترى أن هذا التحذير يمثّل "نهاية للنقاش"، وأن نتنياهو يعتزم مناقشة الأمر مع الرئيس ترامب خلال لقائهما في البيت الأبيض.
وحتى الآن، تجنّبت إدارة ترامب اتخاذ موقف علني بشأن تعزيز احتلال (إسرائيل) الضفة الغربية أو ما تسميه "ضما وفرضا للسيادة" عليها، وجادلت بأن الدول الغربية هي المسؤولة عن تفكير (تل أبيب) في هذه الخطوة بسبب قراراتها الاعتراف بدولة فلسطينية.
وأعلنت فرنسا وبلجيكا ولوكسمبورغ ومالطا وموناكو وأندورا أول من أمس الاعتراف رسميا بدولة فلسطين بعد يوم من اعتراف مماثل صدر عن بريطانيا وكندا وأستراليا والبرتغال، في وقت تناوب فيه قادة وممثلو دول في مؤتمر ما يسمى "حل الدولتين" بنيويورك على التنديد بالإبادة التي ترتكبها (إسرائيل) في قطاع غزة منذ نحو عامين. وردا على تلك الاعترافات، حث وزراء إسرائيليون نتنياهو، على "ضم" الضفة الغربية المحتلة، الأمر الذي حذرت دول أوروبية (إسرائيل) من فعله.
مخطط قديم
الخبير في شؤون الاستيطان صلاح الخواجا قال إن الحديث الإسرائيلي المتصاعد عن ضم الضفة الغربية ليس أمراً جديداً، موضحاً أن عملية السيطرة على الأراضي الفلسطينية هي مخطط إسرائيلي قديم ولم يبدأ منذ حكومة نتنياهو–سموتريتش–بن غفير.
وأوضح الخواجا لصحيفة "فلسطين"، أن (إسرائيل) حاولت منذ البداية إيهام العالم بأن احتلالها العسكري للأراضي الفلسطينية بعد عام 1967 أمر مؤقت، غير أن الضم الفعلي بدأ منذ ذلك العام مع ضم شرقي القدس المحتلة.
وأكد أن عمليات التهجير القسري التي شهدتها الأرض الفلسطينية ليست حدثاً جديداً، بل بدأت منذ اليوم الأول للاحتلال، بدءاً من تهجير حي المغاربة في القدس، مروراً بمحاولات تهويد الأراضي المقدسة والمناطق المسيحية والإسلامية في الضفة، ووصولاً إلى حرق المسجد الأقصى في الأشهر الأولى من الاحتلال.
وأشار إلى أن (إسرائيل) أجرت تعديلات على ما يسمى بالدستور الإسرائيلي لتغيير الحدود بعد ضم شرقي القدس، في إطار موجة متصاعدة من التهويد والضم، تختار لها دولة الاحتلال اللحظة السياسية التي تراها مناسبة لتمرير مشاريعها الاستيطانية وتعزيز نظامها القائم على الاستعمار والفصل العنصري.
وبالأرقام، أوضح الخواجا أنه منذ عام 1967 وحتى عام 2022، استحوذت المستوطنات على ما نسبته 7–8% من أراضي الضفة الغربية، لكن الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة، وخصوصاً اليمينية المتطرفة، ابتكرت أشكالاً جديدة من أدوات القمع عبر تدريب مجموعات مثل "تدفيع الثمن"، و"شباب التلال"، و"مجموعات كهانا"، التي تحولت إلى "قاعدة لمنظومة استعمارية جديدة" تُعرف باسم "البؤر الرعوية الاستيطانية".
وأضاف أن وزير الزراعة في حكومة الاحتلال أكد أن هذه البؤر تمكنت خلال ثلاث سنوات فقط، وحتى نهاية 2024، من السيطرة على نحو 14% من أراضي الضفة الغربية.
وأكد أن عملية الضم لم تتوقف أبداً، بل تواصلت بأشكال مختلفة عبر السياسات والممارسات، معتبرًا أن أكبر عمليات الضم وقعت في عهد حكومة أرئيل شارون عند بناء جدار الفصل العنصري، الذي أدى إلى ضم نحو 11% من أراضي الضفة الغربية.
وشدد الخواجا على أن الضم ليس خطوة مفاجئة بقدر ما هو مسار متواصل" تتبعه حكومات الاحتلال المتعاقبة، وتزداد وتيرته مع صعود التيارات اليمينية المتطرفة، بهدف تكريس الاستعمار وتوسيع رقعة الاستيطان على حساب الحقوق الفلسطينية.
ضوء أخضر
من جهته، حذر الكاتب والباحث في شؤون الشرق الأوسط، د.يحيى حرب، من خطورة التهديدات الإسرائيلية المتصاعدة بشأن ضم الضفة الغربية، مشيراً إلى أن هذه التهديدات لم تعد مجرد تصريحات إعلامية بل صدرت عن وزراء إسرائيليين بارزين، في ظل تقارير إعلامية إسرائيلية تفيد بأن وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو أعطى الضوء الأخضر لنتنياهو للمضي قدماً في هذا المسار.
وأوضح حرب أن رحلة نتنياهو المرتقبة إلى البيت الأبيض تهدف إلى إقناع الرئيس ترامب بضرورة تمرير قرار الضم، لافتاً إلى أن (إسرائيل) على الرغم من ما تسميه "إنجازات عسكرية" لم تنجح في ترجمتها إلى مكاسب سياسية، بل تبدو اليوم كمن "يسير في الرمال المتحركة"، حيث كلما تمادت في العنف والبطش ازدادت خسارتها وبدت أقرب إلى النهاية.
وأضاف أن الضفة الغربية تشكل محوراً حساساً في المشهد الدولي، حتى قبل السابع من أكتوبر 2023، ومع تصاعد الاعتداءات والاستيطان فيها فإن أي خطوة رسمية لضمها ستؤدي إلى تفجير المنطقة بالكامل، كما ستقوض مسار التطبيع العربي مع (إسرائيل)، وتكشف للعالم أن لا مجال للتعايش مع حكومة الاحتلال الحالية.
وأشار الباحث إلى أن انعكاسات الضم المحتمل بدأت تلوح في مواقف بعض الدول الغربية، حيث نقلت صحيفة "الغارديان" البريطانية عن وزير الخارجية ديفيد لامي قوله إن كل إجراء تتخذه (إسرائيل) سيقابله إجراءات مضادة، مضيفا أن الأمر قد يصل إلى حد تعليق عضوية (إسرائيل) في الأمم المتحدة. واعتبر حرب أن هذه المؤشرات تعكس إدراكاً متزايداً لدى النخب السياسية الغربية بأن (إسرائيل) تسير في الاتجاه الخطأ وتقترب من عزلة دولية غير مسبوقة.

